العودة للصفحة الرئيسة موقع الدكتور عمر الطالب

 

عمـر الطالـب والموسوعة التي لم تتسع لمزاج أحد

 

بقلم الكاتب والصحفي الأستاذ أسامه غاندي

osamagandi@live.se

 

    مضى أكثر من عامين على رحيل المغفور له عمر الطالب, ولم يبق منه  الكثير سوى ذكريات يستمطرها طلابه ومحبوه بين الحين والآخر تسير هادئة إلا أن يعكرها غمز من هنا ولمز من هنالك ولم يبقى منه إلا الموسوعة  التي ما فتأت تستقطب الاهتمام والجدل في آن واحد وغطت جهوده الفنية في النقد والأدب والقصة وتاريخ المسرح.  كما أن الإشارة اليها لا تخلو أحيانا من غرض شخصي لا يمت الى المناقشة الموضوعية بشيء, ويقينا أنه كان لا يتمنى أن يكون عمله الأخير موضع عتب أو استنكار أو مؤاخذة, أو يكون سبة عليه, رغم أنه أشار إلى حالة قصور غير مقصودة في إغفال الكثيرين وأنه سيستدرك في ملاحق ما فاته من (الأعلام).

    إن الموسوعة رغم سعتها للكثيرين لكنها لم تتسع لمزاج أحد وظل الطعن بها طعنا مباشرا للطالب قبل أن تكون نقدا علميا لوثيقة طابقت القياسات أم لا (كما يفترض). وأصبح عمر الطالب عبر الموسوعة مرمى لكل من أخطأته الفرصة في النجاح والشهرة واللقب الأكاديمي أو خذلته مهاراته في الإبداع والعمل الموضوعي الجاد رغم سلة الألقاب والعناوين التي يحملها دوما، وأصبح هؤلاء يلعنون الظلام بدل أن يشعلوا شمعة كما يقول المثل الصيني, والحقيقة أن عملا موسوعيا يتعلق بالتراجم والسير في مجتمعات تحب الظهور والتراصف في السراء والضراء, وتحب أن تظهر في الصورة تتبادل الأوسمة والنياشين وتستعرض الأحساب والأنساب.

    أن عملا كهذا يبدو صعبا جدا ويحتاج إلى تدقيق ومراجعة وتوخي الحذر واعتذارات مباشرة وغير مباشرة, وربما أدرك المرحوم عمر الطالب هذه الحقيقة ,حيث جامل الكثيرين ممن رقدوا بين سطور الموسوعة ممن لا يستحقون أن يرقدوا بمثلها, حتى أن البعض كتبت تعريفاتهم كما أرسلوها للمؤلف نصا دون تعقيب أو معالجة أدبية أو نقدية.

    دخل عمر الطالب عبر الموسوعة كناقد لأعمال فنية وأدبية وفعاليات اجتماعية أخرى ولكنه انتهى منها كمؤرخ أو هكذا  فهم الآخرون الموسوعة, الأمر الذي حمله فيها هذا البعض أوزار المؤرخ حين يخطئ وحين يسهو. ففي ترجمته لبعض الأدباء والكتاب لا يذكر الطالب تاريخ ميلاد ووفاة المترجم له إنما يذكر فقط آثاره الأدبية كما ترجم للأديبة سالمه صالح مثلا  لا حصرا. مما يعزز القناعة أنه بدأ بالموسوعة ناقدا وكتب بأدوات الناقد لا المؤرخ ولو أراد التاريخ  فلربما رأينا الموسوعة شكلا آخر.

    ومع هذا الافتراض كانت حياته الشخصية موضع تساؤل كبير لبعض من كتب عنه, وكانت قضية الدكتور عبد الإله احمد والبحث المسروق منه , عنوان بارز لترجمة الدكتور عمر الطالب (وعلك) دائم يمضغ مع أي استذكار للجهود العلمية للطالب . وتختلف الرؤية النقدية مع التقرير التاريخي في الترجمة الشخصية وتتباين, ففي حين تكون الأولى حرة تعبر عن وجهة نظر الناقد تكون الأخرى مقيدة بضوابط ومقاييس علمية على أساسها تتحدد الألقاب والقيمة العلمية والفنية ولهذا تناط غالبا مهمة  تقييم التراجم والسير التاريخية بالأكاديميات والجامعات وتعتمد فيها نفس المقاييس التي تعتمد في منح الدرجات العلمية, وإخضاع التدوين التاريخي لهذه المقاييس العلمية تتطلب أن يتجرد التاريخ كعلم من أي تكريسات اجتماعية ضاغطة أو أي إملاءات خارجة عن الهدف. ولامجال هنا لمحاضرة في فلسفة التاريخ , بقدر توضيح الغرض الاساسي للموضوع. فمع سيادة الطرق الحديثة في التأريخ والترجمة والدقة الشديدة في ايراد المواضيع التي تدرج في خانة التاريخ, الا أن البعض لا يستطيع أن يتحرر من كتابة التاريخ أو تلقيه من العقدة القديمة في كتابة التاريخ والتراجم من المعابد ومن قصور الأمراء, ولا يستطيع أن يتحرر من الفكرة المسبقة في تسمية الاشياء.

    والتاريخ لا يكتب الآن إلا لإظهار الحقيقة والاستفادة من التجربة ولا يكتب تحت ظل السلطان ولا وهج المال ولا التكسب, وهو (أي التاريخ) خرج من رحم العلوم الأدبية التي تعتمد الخيال والولاء والوجاهة الاجتماعية, وأصبح يٌمد بما جادت به العلوم التجريبية من فيزياء وكيمياء وهندسة, وخرج من دائرة التحديث والعنعنة  إلى فضاء أوسع تٌعتمد فيه المقاييس العلمية لا يؤخد ولا يعطى لأجل فلان أو علان .

    لم يسترسل عمر الطالب في الخط التاريخي في الموسوعة واقتصر على مما لابد منه من تعريفات تاريخية قليلة ومتيسرة. كما انه لم يسترسل في التحليل النقدي كثيرا أيضا وحاول عبر إيحاءات أن يقول بعضا مما يريد في تقييم الشخصية المترجمة.

    وإذا أخذنا في الاعتبار ضخامة العمل وحجمه والجهد المفترض به والذي قام به وحده مع إشكالات السنين والمرض وقلة المتيسر من الوقت والطاقة لإتمامه, إذا أخذنا هذا بالاعتبار فسنقول إن الطالب قدم شيئا للموصل يحسب له أو انه فتح الباب لذلك على أقل تقدير, وهو عمل كان الأليق به أن يتم تحت إشرافه بمساعدة فريق عمل علمي متخصص, أو ينتدب لذلك طلبة باحثون ينشدون التخصص في هذا المجال.

    ونستطيع القول أن الطالب رسم صورة اجتماعية بانورامية للموصل جاءت على شكل موسوعة ألوانها الأشخاص والأعلام, ومن الألوان الصارخ والباهت والفاقع ولا تكون الصورة جميلة ولا واقعية إن كانت كلها بيضاء تعبر عن مجتمع الملائكة الذين توحدوا جميعا في النقاء والطهارة والبراءة.

    ولو قيض للطالب أن ينزع لبعض الوقت وقاره العلمي والأدبي وان يتغيب قليلا عن الضغوط الاجتماعية والسياسية وبعض الاعتبارات لرسم صورة أخرى واضحة لبعض (الأعلام) صارخة الألوان تبهر الأعين وتعطل قدرة الناقدين على الاعتراض والمقاومة. وكان لديه القدرة على مثل هذه التشخيصات.

    يقينا أن لكل منا آراء أخرى للعالم غير قابلة للنشر إلا إنها في أحيان كثيرة تكون أمتع وأكثر دقة مما نسكبه على الأوراق وفي المنابر الإعلامية. فرحم الله عمر الطالب في ذكراه الثانية .

____________

 

تعليق موقع الدكتور عمر الطالب على مقال الكاتب والصحفي والناقد أسامة غاندي:

    لقد أصاب الكاتب أسامة غاندي في مقاله كبد الحقيقة وتحديدا حين تحدث عن الطبيعة الأدبية والنقدية لموسوعة الطالب ونزع عنها طابع التاريخية والتقريرية؛ فالطالب الذي أراد بموسوعته أن يلخص ألوان الفنون والمعارف التي ظهرت عن عقول وأيدي رجالات الموصل لم يكن في نيته كتابة موسوعة رجالية ذات طابع تاريخي لشخصيات تركت أثرا في مسيرة وحركة تاريخ الموصل؛ فلم يكن يعبأ الطالب بتلك الشخصيات التي لمعت وسطرت على صدورها النياشين بقدر ما كان اهتمامه برجال قدمت للأدب والمعرفة حتى وإن كانت لم تلقى المزيد من العناية والاهتمام خصوصا وأنهم عاصروا نظاما امتاز بهذه الخصوصية.

    لهذه ولغيره خرجت الموسوعة على غير ما يشتهى بعض ممن اعتلى منصة العلم والمعرفة وحيازة المناصب الحساسة بغير حق ولكنها في نفس الوقت أرخت -وبحيادية سيشهد له التاريخ- لمدينة الموصل تاريخها الأدبي والفكري والعلمي بأصدق ما يكون وبعيدا عن وسائل التملق والانحياز.

 

    وقد بين عمر الطالب في مقدمة موسوعته كيف أنه لخص مجموع ما كتبه عن فنون وآداب الموصل في موسوعة خلد من خلالها كل من ساهم في إنجاز حضارة الموصل في القرن العشرين:

"لا بد من القول ان هذه الموسوعة شملت عدة كتب الفتها ولم تر النور بعد: (الفن القصصي في الموصل) 1990، (سيناريو القصة في الموصل) نشر معظمه في جريدة نينوى2001-2002، (الحركة المسرحية في الموصل) 1992، (الشعر في الموصل) 1993، (النقد الادبي في الموصل) 1994، (النقد الفني في الموصل) 1995، (التعليم في الموصل) 1996، (رجال الدين في الموصل) 1996، (رجال الادارة في الموصل) 1997، وشمل رجال السلطة والرئاسة والاداريين والصحفيين) 1998، (الفنون في الموصل) 1998، (المؤلفون والكتّاب في الموصل) ثلاثة اجزاء1990-1999. (الغناء والموسيقى في الموصل) 1994. ومن هنا جاء بعض التداخل فهناك شخصيات متعددة المواهب والابداعات، لها وجود في اكثر من كتاب من هذه الكتب."

    وقد كان الدكتور ذنون الطائي صريحا جدا في مقدمة الموسوعة حين أفصح عن طبيعة منهج الراحل في موسوعته وكيف أنهم لم يستطيعوا مجاراة الرجل في منهجه الصعب المستصعب فقال:

"ومن المفيد ذكره أن الموسوعة قدمت الى المركز وهي تضم ثلاثة عشر فصلاً كل فصل يضم عدد من الشخصيات في ذات التخصص، مثل فصل علماء الدين وفصل المؤلفون وفصل الحركة المسرحية وفصل رجال الادارة وفصل التدريسيون الجامعيون وهكذا، غير أننا وجدنا بأن تنفيذها بتلك الصورة قد لا يفي بمتطلباتها أو يحدث نوعاً من الارباك في وضع الشخصيات ضمن إطارها التخصصي، ذلك أن بعض الشخصيات قد تنوعت في عطاءها فنجد مثلاً شخصية أكاديمية لها باع طويل في قرض الشعر وهو في ذات الوقت اداري متحملاً أعباء المسؤولية الادارية، ففي أي فصل يوضع مع الأكاديميون أم الشعراء أم الاداريون ؟!. وعليه إرتأينا وكذلك الخبراء أن يكون ايراد الشخصيات بموجب الحروف الأبجدية بحيث تمثل كل شخصية جميع سماتها وتنوعها على صعيد والتخصص والإثراء في مجالاتها."