العودة للصفحة الرئيسة موقع الدكتور عمر الطالب

 

العـزف علـى وتـر خمسينـات عمـر الطالـب

إبراهيم حمزة الطائي

ebrahimaltaee@yahoo.com

 

في غربة العالم المتهجد حيث للألم معنى وللفرح مآسي حيث الجرح لم يندمل تشعر الآن أنت تحت إمرة القشعريرة الحالمة، بكونها أكثر تحرّرًا، في هذه اللحظة بالذات،أسير والسير يؤرقني في غابة مليئة بشظايا الأجساد، في عالم دفن قلبي بين أوراقي الماضية، بين الأحلام الزائفة،فكانت قصاصاتي هي المأوي، حاولت أن انهض من قبر حفر لي لكنه أبي لان الأحلام قد ذرّاها الإعصار لألم النسيان،من بلادي ألف حلم وحلم تجرعه الصبيان. بأنامل مرتعشة يمسك البساط السحري، يعوم في بحر الحروف بهدأة الإنسان العنيد غير مكترث بالعواصف، يمنح القارئ فعل الإيماء بمراهنة الكاتب على طرق المجهول، برمزية عذبة ينقل قارئه ضمن مقارعات ومكاشفات يومية، بلغة بلاغية مبنية على مفارقة المألوف يستحضر وعيه المستضمر للعلائق الشائكة، يحاصر ثوابت المتلقي الذهنية حتي يؤسس - عالم جديد-، انه الدكتور عمر محمد الطالب،/(ذاك الصوت الذي تقنا وتاقت إليه رحبة الأدب القصصي) لؤي الزهري، مجلة الرسالة الموصلية/. ينزاح عن مألوف اللغة بالقدر الذي يجعلها تحتوي قضايا العصر وأسئلته،/ (عمر الطالب في مجموعته - خمسينات - يدين وبشكل جرئ عوامل الانحلال والزيف والتخلف في مجتمعه) أنور عبد العزيز، ألف باء العدد 148، 9 حزيران عام 1971/ حتي يكسر الحواجز التي ظلت غصصها مسيطرة على واقع المجتمع لفترة طويلة، ينفتح باللغة حتي يضمن صمودها وتحديها للأشكال الزائفة، فالدوال لديه مساهمة في تركيب المجتمع،/، يشير بجرأة إلى مواطن الداء)الزهيري/ وكأنه عالم متخصص في علم الاجتماع يدرس عن كثب تلك العلاقات الإنسانية النبيلة التي تنهض بالمجتمع وتخلصه من زيف الواقع،/ (يضع بشفافية لمسات إنسانية ذات صياغة متقنة شكلا ومضمونا... برؤي مبدعة.... يدين مواقف السلب بجرأة) الزهيري/ ( وفي قصته الدمي المجروحة عالج القاص ناحية هامة طالما ظل يعاني منها مجتمعنا وقد نبغ القاص فيها ) زيد خلوصي/ ويمكن القول إن المرحوم عمر محمد الطالب كان يخلق من صيرورة الكتابة صوته الخاص ولغته المتفردة، انه يخلق أشياء تظل قائمة فتراه ساردا، متذكرا، مرتحلا في المكان والزمان فلا يلبث كثيرا حتي ينقلب مستفهما باحثا عن حقائق الأشياء حتي تشكل نسقا مرجعيا ومتراكما لدي القارئ./(يدرك - وبعمق سر هذه العلاقات وما يؤثر فيها من عوامل حياتية تجعله يقف منها لا موقف المتفرج بل المفسر والمحلل) أنور عبد العزيز/ إننا مطالبون بالبحث عن الكثافة والترميز والإيحاء والبساطة المستعصية التي ترتكز عليها قصص وكتابات عمرمحمد الطالب، وإننا مطالبون بمميزات نقدية وقرائية حديثة تستطيع فك مغاليق الكاتب وسبر أغواره كما أسس لها الدكتور الطالب في كتابه (العزف على وتر النص)، لم يهم محمد الطالب المفردة كحجم مغلق بل كان ينظر إليها كائن حي لا ينفصل عن عالم الخطاب في تجليه للعالم الذي تحكمه عدة متناقضات، فجعل انساق اللغة قريبة من المتلقي حد البعد في دمه وظله ثم تفر منه/ (وتظهر براعة القاص ومقدرته القصصية في تناوله لأكثر من موضوع في قصة قصيرة واحدة) حقي الصالحي، ألف باء العدد 156، 4 آب 1971، بتلقائية مميزة وأنماط خاصة وبلوعة حارقة تسكب بانسياب وتترقرق بخرير لا يليق إلا بصوت من تمرد على الأشكال والقوالب، فتراه ينقب في المحكيات ويعيد توظيفها بشكل مغاير ينطلق في ذلك من تناصه مع اليومي، يحول ما تنطقه الأفواه إلى مكتوب له دلالات عميقة تجمع بين الحاضر والمستقبل بعملية بث متوازنة بين الملفوظات اللغوية والدلالات الايحائية/يستغل بذكاء ووعي ما يدور.....يسقط كل صرخة وحركة مما يقوم به أصحاب الطريقة لينقلها ويربطها بأحداث العالم الخارجي وليترجم كل حركة... رعشة... هزة... نغمة فيسقطها على ما يدور في مجتمعه من... (أنور عبد العزيز/، فنراه يفرض عملية تداخل بين وظيفتي الكتابة والتلقي في الذات القارئة، حتي يجد القارئ نفسه مضطرا للبحث عن التفاصيل الغائبة، ليتيح للمفردة أن تتشرب معان أخري ودلالات جديدة مقتنصا بذلك اللقطات الساحرة من الواقع المعاش، فعبقرية الدكتور محمد الطالب تكمن في اقتناص هذه اللحظة الساحرة فلذلك تراه لايحكي الواقع بل يطرح سؤالا عريضا وعميقا، فهو يؤكد على المراهنة على الذات المتلقية واستفزازها، فالكتابة لديه فعل مشترك بين الباث ومتلقيه، فالدكتور محمد الطالب أسس حصون كتاباته من مشاكسة اليومي ومقارعة الأسئلة، لعله أراد أن تعانق الجانب الأشد مرارة في حياة الإنسان لتظل تنكأ الجروح في تجربته اليومية ليرتقي بالإنسان ولا يظل هكذا متقاعسا خائفا من أسئلته.