الصفحة الرئيسة لموقع الدكتور عمر الطالب

 

الناقد عمر الطالب: الرؤى النقدية في العراق ومصر والمغرب العربي

 

كتبه: الراحل عبد الوهاب النعيمي

 

الصورة تجمع بين الراحل عمر الطالب والراحل عبد الوهاب النعيمي

 

يعد من القلائل بين أقرانه في غزارة العطاء، فهو موسوعة عصره يتواصل مع القلم بحيوية قلماً نجد لها مثيلاً..روح المطاولة فيه جعلته يتبؤ المكانة المتميزة على الساحة الثقافية التي عاش معاناتها الحقيقية من خلال ثلاث حقب أدبية:

الأولى ابتدأت في مطلع الخمسينات وما زالت مع الأدب العراقي بكل مضامينه واشلاله.

والثانية مع الأدب المصري خلال تواجده في القاهرة لنيل شهادة الماجستير ومن ثم الدكتوراه في جامعة عين شمس خلال الأعوام 1963-1976وتعرفه بالدكتور عبد القادر القط الذي كان له الدور الفاعل في تكوين شخصية(د.الطالب)النقدية.

أما المرحلة الثالثة وهي الأهم كما يصفها في تجاربه الأدبية فقد كانت في المغرب العربي حيث أوفد للتدريس أستاذاً لمادة النقد الأدبي لجامعة الحسن الثاني خلال الأعوام 1984-1989وهناك تعرف على المذاهب النقدية الحديثة كالبنيوية والسيميائية والتكوينية فتأثر بها ونقل أجزاءً من مضامينها إلى طلبة الدراسات العليا وعموم الساحة الثقافية.

إنه القاص والروائي والناقد الدكتور عمر محمد الطالب المولود في ربى مدينة الربيع والزيتون الموصل عام 1932.

* البدايات عند د.عمر الطالب متى كانت، وماذا كتب في خطوات رحلته الأولى؟

* بدأت الكتابة منذ الدراسة المتوسطة، بتشجيع مدرس اللغة العربية،وفي الإعدادية أيضاً أولاني مدرس اللغة العربية اهتماماً خاصاً، وعندما لاحظ مستوى القصص التي اكتبها أرسل احدها إلى جريدة (المصري) في القاهرة وظهرت عام 1949مما شجعني على كتابة القصة فأصدرت ثلاث مجاميع هي (خمسينات أضاعها ضباب الأيام) (البحر الحزين) (القمر وصيادو السمك) إلا أن الرواية كانت مبتغاي فكتبت عام 1949وأنا في المرحلة الأولى من الكلية رواية (ذكرى) أعقبتها عام 1950برواية (ولاء) ثم نشرت أربع روايات هي (الأحداق المجروحة) (إنسان الزمن الجديد) (من الذي يأتي) (صراع على مشارف القلب) وفي عام 1956كتبت أولى مسرحياتي، ثم كتبت المسرحية الثانية عام 1959وعنوانها (الهاتف) وهكذا تجدني مارست الكتابة في مضارب الفنون الإبداعية الثلاثة إلا أنني كنت ومازلت أفضل كتابة الرواية، فهي الأحب إلى نفسي والأقرب إلى مشاعري. أما القصة القصيرة، فكانت بالنسبة لي لقطة أو مشهد ليس إلاّ، ولم أكتب المسرحية إلا في أوقات الأزمات التي تستفزني.

 

* الدكتور عمر الطالب أصدر ثمانية عشر كتاباً خلال الفترة من 1969ولغاية 1993ستة منها تناولت النقد الروائي والقصة وهي (الرواية العربية في العراق) (الاتجاه الواقعي في الرواية العراقية) (أثر البيئة العراقية في الحكاية الشعبية) (القصة القصيرة الحديثة في العراق) (الحرب في القصة القصيرة) (القصة القصيرة في الخليج العربي) وثلاثة أخرى تناولت النقد المسرحي وهي(المسرحية العربية في العراق) (ملامح المسرحية العربية الإسلامية) (ظلال فوق الخشبة) فيما توزعت ستة كتب على مختلف الصنوف النقدية في الأدب وهي: (نظرات في فنون الأدب قديمها وحديثها) (مناهج الدراسة الأدبية الحديثة) (مدخل إلى مناهج الدراسة الأدبية) (نظرات في السينما العربية) (أدب الأطفال في العراق) (المذاهب النقدية) فيما أفرد ثلاثة كتب للرؤيا الشعرية نقداً وتحليلاً كما في كتبه: (الاغتراب الروحي في شعر امرئ القيس) (قراءة ثانية في البارودي) (القلق والاغتراب في الشعر الجاهلي).

هذه الحصيلة الكبيرة من الإصدارات النقدية منحت الدكتور الطالب رؤيا نقدية متميزة. هل لنا أن نتعرف على جوانب رؤاه النقدية ومتى شعت خطواته الأولى في مسار الإبداع النقدي؟

* لم أتعرف على الكتابة النقدية في المرحلة الأولى من كتاباتي التي توزعت على القصة القصيرة والرواية والمسرحية حتى كان عام 1963وبالتحديد بعد سفري إلى القاهرة، فقد تعرفت على الناقد الكبير الأستاذ عبد القادر القط ونلت منه الكثير من الاهتمام وكان آنذاك يشرف على العديد من المجالات الثقافية في مصر منها شعر ومجلة المسرح والنصوص التي تعرض على المسارح المصرية وكانت مصر في قمة تطورها المسرحي، ودفعني إلى العمل في قراءة وتصحيح (البروفات) في المجلة وشجعني إلى الكتابة للمسرح، فكتبت دراسة عن (بدايات المسرحية العربية في العراق) نشر القسم الأول منها في مجلة المسرح المصرية عام 1966ونشر القسم الثاني عام 1967ونالت الدراسة استحساناً عربياً، ومن هنا كانت بدايتي للكتابة النقدية حيث شرعت بكتابة الدراسات والمقالات النقدية ونشرها في المجلات المصرية، وبعد عودتي إلى العراق قمت بتدريس النقد في كلية الآداب وكان انصرافي كلياً إلى كتابة النقد.

إن إرشادات د.القط والأساتذة أمثال د.مصطفى ناصيف ود.عز الدين إسماعيل زادتني تشجيعاً واستمراراً على الكتابة فضلاً عن تدريسي لكل ماله علاقة في النقد الحديث والقديم والمذاهب الأدبية والأدب المقارن والمناهج الأدبية والأدب بعصوره المختلفة في كلية الآداب لاسيما وأن الكلية كانت تفتقر في أوائل سنيها إلى المتخصصين في هذه المواد فقمت بتدريس كل ما له علاقة بالأدب العربي والتراث مما زاد في قراءاتي ووسع اطلاعي، وكنت قد تلقيت في القاهرة دروساً في طريقة القراءة فرحت التهم الكتب التهاماً وساعدني على ذلك مكتبتي الواسعة واطلاعي الواسع على علوم أخرى مثل علم النفس والاقتصاد والأديان والفلسفة والمذاهب السياسية والأساطير والتاريخ وانصب اهتمامي بالدرجة الأولى على النصوص الأدبية ونقدها لا على حواشيها فقط، ونشرت دراساتي ومقالاتي في معظم المجلات العراقية والعربية.

 

* المرحلة الثالثة من تجارب د.الطالب الإبداعية كانت المغرب العربي، حيث وطأها في منتصف الثمانينات، وعلى ساحتها الثقافية تتصارع نظريات ايديولوجية مختلفة تتمثل بالبنيوية والسيميائية والتكوينية والواقعية الثورية التي تدعو إلى شجب الحياد الأدبي. فهل كان لتلك التجربة انعطافات في المسار النقدي، ومدى تأثير ذلك على مراحلكم اللاحقة في مجال الرؤيا النقدية والمصطلح النقدي الحديث؟

* تجربتي في المغرب العربي كانت أعمق، فالمغرب أُحيل في الثمانينات -الفترة التي كنت أُدرس فيها هناك- المكانة البارزة في الوطن العربي في النقد ولاسيما بالنظريات الحديثة كالبنيوية والسيميائية وكان علي أن أًُتقن هذه النظريات لا تمكن من تدريسها فاقتنيت كل ما يتصل بهذه النظريات، وساعدني زملاء مغاربة في الأمور التي كنت أجد فيها عمراً ووجدت في النقد المعاصر اهتماماً خاصاً بالنص وهو ما يتفق ورغبتي في العملية النقدية لاسيما وان النقد الايديولوجي احتل الساحة العربية طوال السبعينات وكان قد بدأ في المغرب عام 1964 بظهور مجموعة من المقالات والدراسات النقدية التي تمثل الصراعات الايديولوجية المتضاربة والمتناقضة لتعبر عن وظيفة الآداب الإنسانية وولائها للحرية والإنسان وتبني الواقعية الثورية وتشجب الحياد الأدبي والرجعية الأدبية، وبرز في هذا الاتجاه نقاد مثل إدريس الناقوري وعبد القادر الشادي وإبراهيم الخطيب ونجيب العوفي وقد صرح الشادي عام 1973 بالمنهج الذي يلتزمه في تقويمه للأعمال الأدبية قائلاً: "انطلاقاً من فهم معين التزم إصدار بعض الأحكام على بعض الأعمال المنهجية ترتكز على تحليل النتاج تحليلاً طبقياً وسياسياً" وظهر اتجاهه هذا في كتابة (سلطة الواقعية والنص العضوي) وبرز الاتجاه الايديولوجي في كتابي إدريس الناقوري (المصطلح المشترك) و(ضحك كالبكاء) وهما دراسات نقدية نشرها في الصحف والمجلات لمدة عقد من الزمن، ولكنه تحول عن هذا الاتجاه ولاسيما في دراسته (الوساطة في الرواية) وكتب إبراهيم الخطيب دراستين في هذا الاتجاه هما (فن القول) و (عن المرأة والوردة) ولكنه تحول إلى الترجمة فترجم عن الشكلانيين الروس (الحكاية والخرافة).

ودافع تجيب العوفي عن المنهج الجدلي واعترف أنه أفاد من البنيوية. ومزج هؤلاء النقاد الأربعة بين المجالين النظري والتطبيقي، وقد ازداد النقد الايديولوجي رصانة في رحاب الدراسات الجامعية حيث نشر حسن المنيعي النقد الفرنسي الجديد وراح محمد براده يعرف (بلوكاش) ونظرياته واشرفوا على الرسائل الجامعية التي التزمت المناهج الأدبية النقدية الحديثة ولاسيما البنيوية والتكوينية والسيميائية التي أصدر فيها الأستاذ محمد مفتاح عدة كتب مهمة وكذلك الأستاذ (كليطو) وبرزت المصطلحات الجديدة وعمت مجالات التنظير والتطبيق ولاسيما البنية والرؤية للعالم والسيمياء والابستمولوجيا وتراوحت هذه الرسائل بين التخبط في المصطلحات وصعوبة الخروج من التنظير إلى التطبيق، بينما تجاوزت رسائل أخرى مثل هذه الصعوبات وأجادت في تطبيق النظريات على النصوص، وبرز نقاد شباب مثل سعيد يقطين وحسن بحراوي ومحمد بنيس. وإذا كان الصراع عنيفاً في النقد الايديولوجي في السبعينات فإنه بعد أن ترسخ وفتح نوافذه على الغرب مستغلاً نسائم المعرفة ركد واستقر وزاد عمقاً وأفاد من تجربة المهاترات التي مر بها.

وهكذا تبوأ النقد الجامعي في المغرب مركز الصدارة في الثمانينات بعد أن أدخل وسائل المعرفة الرصينة إلى ساحة النقد الأدبي وقد بقي النقدان التأثري وايديولوجي مسيطران على الساحة النقدية في المشرق العربي وسيطر النقد الصحفي بما فيه من مجالات ومعاكسات، فيما تقوقد النقد الجامعي بين دفتي الرسائل وعلاه الغبار ليفسح المجال أمام النقد الصحفي كي يصول ويجول ويعلن سيادته، بل ويغمز النقد الجامعي حتى بدأت مجلات رصينة تقف في وجه هذا النقد وتصده مثل مجلات فصول وألف وإبداع ونقد وأدب وشعر في مصر وامتد هذا التأثير إلى مجلات عربية أخرى في لبنان وسوريا والعراق ودول الخليج العربي.

وبهذا أعد تأثير النقد عليّ في المغرب كان أقوى مما كان عليّ في مصر والعراق ولا ننسى عامل الزمن، فقد كنت في مصر في أوائل الستينات وفي العراق في السبعينات وفي المغرب في الثمانينات في أوج وقمة تألقها النقدي.

كما وتعلمت من المغرب أيضاً الاهتمام بدراسات مدينتي (الموصل) حيث تهتم الجامعات المغربية بدراسة الأقاليم التي هي فيها، ويقام مؤتمر سنوي تعرض فيه هذه الدراسات وتنشر في كتب، فساكن الإقليم أعرف بظروف إقليمه من غيره. وما زالت أذكر حديثاً للدكتور القط خلال وجودي في القاهرة عندما طلب إلى أحد طلبته يدرس الأدب الأندلسي الذهاب إلى إسبانيا والمكوث فيها سنة على الأقل وهو يردد: "كيف تستطيع الكتابة عن الشعر الأندلسي وأنت لم تر الأندلس؟"

وعندما عدت إلى العراق عام 1989وبدأ الحصار على قطرنا توجهت إلى دراسة الجوانب المختلفة في الموصل، فبدأت في الأدب القصصي وأصبح الكتاب ضخماً تجاوز السبعمائة صفحة وترددت الجامعة في نشره بسبب ظروف الحصار، فكتبت في الحركة المسرحية في الموصل وبلغ خمسمائة صفحة وكان الطبع في الجامعة قد انحسر كثيراً ولم أتوقف، فكتبت في الشعر والنقد والحكاية الشعبية والموسيقى والغناء والإعلام المرئي ثم توسعت إلى الكتاب والمؤلفين والتعليم والفنون التشكيلية ورجال الدين والإعلام والشخصيات المؤثرة وأعد الآن للكتابة عن جامعة الموصل وتاريخ الموصل وسأمضي في الكتابة ما دمت قادراً على ذلك، وقد قلت في هذه الدراسات الحقيقة التي لمستها في نفسي، فقد قرأت الكثير من المجاملات ولا بد أن نقدم للجيل التالي الحقيقة ناصعة كما هي من غير مجاملات.

وعند عودتي إلى العراق عام 1989حاولت أن أحث طلبة الدراسات العليا على كتابة رسائل جامعية بتناول حديث، فاستجاب الجيدون منهم لهذه الدعوة، وكتبت رسائل عدة جيدة جداً لا تقل في مستواها عن مستوى الرسائل المغربية الجيدة، إلا أن الظروف القاسية التي أحاطت بالعراق في سنوات الحصار والحضر الأجنبي على دخول الكتب الحديثة إلى العراق جعل المستوى يأخذ بالانحدار، حتى أن عدداً قليلاً منهم راح يكتب رسائل مضحكة باسم الحداثة وما بعد الحداثة.

أما النقد في العراق فقد بدأ تأثرياً وأصبح ايديولوجياً في الخمسينات والستينات والسبعينات إلا أنه لا يخلو من دراسات نقدية جادة وإن يبرز التطبيق النقدي الحديث بوضوح فما زال النقد الصحفي هو النقد المسيطر في الساحة الثقافية العراقية.