www.omaraltaleb.com

 

 

حـوار وثائقـي مـع الراحـل الأستـاذ الدكتـور عمـر محمـد الطالـب

 

 

                                                            

 

أجرى الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل بتاريخ 25/9/1995 حواراً شاملاً مع الراحل أ.د. عمر الطالب تحدث فيه عن نشأته ومكوناته الفكرية وما عاصره من أحداث، فضلاً عن سيرته العلمية ومؤلفاته وبحوثه ومواقفه النقدية، المتعددة وأصدقاءه وعلاقاته الواسعة وشؤون وشجون عدة، وهو مسجل على قرصين CD. وقد بذل الدكتور ذنون الطائي جهوداً مضنية لإفراغ القرصين وكتابة الحوار كما هو مدون وذلكً لتعذر إرساله عن طريق الانترنت.

موقع الدكتور عمر الطالب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الطائي: دأب مركز وثائق الموصل ]حاليا مركز دراسات الموصل[ على تحقيق اللقاءات الارشيفية والوثائقية مع الشخصيات الموصلية ذات الاثر البارز في النشاطات التي تتعلق بالادب والتاريخ والسياسة والفن والمجالات الاخرى وفي هذا اللقاء نستضيف احدى ابرز الشخصيات الادبية والاكاديمية في مدينة الموصل وهو الاستاذ الدكتور عمر محمد الطالب فأهلاً وسهلاً به في هذا اللقاء. والدكتور عمر الطالب غني عن التعريف في مدينة الموصل فله الايادي البيضاء على الحركة الادبية في الموصل فقد ارخ للقصة العراقية والمسرح العراقي فضلاً عن اسهاماته الجادة والعلمية في البحوث المتعلقة بهذا المجال وفي الانشطة الاخرى. فأهلاً وسهلاً بالاستاذ الدكتور عمر الطالب.  

 

- الطائي: في البدء نود التحدث عن تاريخ ومنطقة الولادة وظروف النشأة في مدينة الموصل:

ـ الطالب: ولدت في مدينة الموصل 1932 ولكن من الناحية الرسمية مسجل عام 1931 ويعود الى قصة، حيث توفي والدي وعمري 5 سنوات واردت الذهاب للمدرسة عام 1937 فمنعت من الدخول فقام احد اخوالي باضافة سنة الى عمري وهذه الاضافة العشوائية ثبتت في الجنسية العراقية.

ولدت في محلة عبدو خوب وهي محلة شعبية بقيت فيها الى ان بلغ عمري 10 سنوات وبعد ذلك انتقلت بي والدتي الى اهلها في محلة المكاوي وهي محلة شعبية ايضاً. الاجواء التي عشتها في طفولتي كانت جميلة جداً ومتنوعة فعندما كنت في عبدو خوب كان هناك الزقاق المليء بالجاموس، والفتيات اللاتي يجمعن الفضلات من الشارع، والروائح النتنة التي تنبعث من الدور الفقيرة لان روث الجاموس كان يستخدم كوقود آنذاك. كما عشتُ ظروف جميلة جداً لان اهلي كانوا يتاجرون في الخيول وهذا الجو الشعبي اثر علي تأثيراً كبيراً بالذات على نتاجي القصصي ومازال تأثيره لحد الان. وعندما انتقلت الى المكاوي انتقلت الى جو مخالف جداً اقرب الى الجو البرجوازي المتزمت الذي يحاول الحفاظ على تقاليد معينة ولم يسمح لي بالخروج الى الزقاق للعب مع الاطفال فكنت اهرب من الدار الى عبدو خوب وهي قريبة من المكاوي لالعب مع اولاد عمي في الزقاق. ومن الاشياء التي تذكر بعض من الالعاب التي ماتت الان مثل (الحاح والكطا) و (الدكش) مثلاً كانت محلة عبدو خوب تقاتل محلة الخاتونية فيستعد الصبيان مع المقلاع وكنا الصغار نجمع لهم الحجارة وتبدأ المعركة مع محلة الخاتونية وكان هناك من الالعاب الشعبية التي تستحق الوقوف عندها وقد درستها في كتابي المخطوط عن الموصل.

 

- الطائي: ممكن ان نتوقف عند مسألة الدكش هذه فهناك العاب بين محلة باب لكش ومنطقة الجوبة؟ فما هي الاسباب التي كانت تؤدي الى قيام هذه الالعاب؟

ـ الطالب: هي لعبة كأي نوع من الالعاب فنبدو متخاصمين في بداية الامر ولكن عند نهاية اللعبة وهزيمة احد الفريقين يأتي الطرف الثاني ويتم الصلح.

 

- الطائي: كيف كانت طبيعة المجتمع آنذاك وظروف الدراسة الابتدائية ومن هم معاصريكم ومن معلميكم وما هي الاساليب المتبعة في الدراسة الابتدائية والنشاطات التي كان يقوم بها الطلاب آنذاك؟

ـ الطالب: عادة كان الاطفال يدخلون الكتّاب قبل المدرسة ولكن لصغر سني قبل ان ادخل الكتاب فدخلت المدرسة عام 1937 واذكر من اصدقائي آنذاك المرحوم سالم حسين الذي استشهد واعدم في ام الطبول، المدرسة الابتدائية التي دخلتها القحطانية وهي تقع في محلة عبدو خوب ودخلها جميع اولاد عمي وكان آل الطالب يشغلون المدرسة من الاول الابتدائي الى السادس الابتدائي وكان الطلاب في السادس الابتدائي كبار السن ولهم لحى وحتى متزوجين. ومن المعلمين غانم صالح كان المسؤول في الصف الثالث وكان يطلب منا ان نعرف جميع عواصم العالم وكان يطلب منا ان نرسم خريطة العالم على السبورة ونضع عليها عواصم العالم وان نقوم برحلات على الخارطة من الموصل الى البصرة او الى طهران او انقرة او دمشق او أي مدينة اخرى وكنا نقوم بها ببساطة وسهولة وكان لدينا معلومات كثيرة جداً، قد يكون بسبب ان اخوالي كانوا يجلبون الى الدار مجلات مصرية كثيرة وكنت في الثالث الابتدائي اقرأها بطلاقة، منها اخر ساعة واخبار اليوم والاثنين ومسامرات الجيب والثقافة والرسالة والكاتب المصري والكتاب وغيرها من المجلات المهمة فكونت لدي معلومات كثيرة ربطتني بالقراءة آنذاك. ومن المعلمين في الرابع الابتدائي كان بشير مصطفى من الشعراء الكبار في الموصل كتبت عنه دراسة سوف تنشر. في الخامس بدأ اهتمامي بالرياضيات وكان اهتمامي يعود لمعلم اسمه متي القصير او متي عبد الاحد، بدأ اهتمامي باللغة العربية في السادس الابتدائي مع الاستاذ محمود الملاح وكان استاذاً متميزاً باللغة العربية، وكان المدير آنذاك مشهوراً ومعروفاً بالاوساط القومية والثقافية هو يوسف. في الصف الثاني الابتدائي توفي الملك غازي وكان لوفاته اثر كبير وعلى اثره قتل القنصل البلجيكي في الموصل وحدثت اضطرابات في المدينة. كما عاصرت نظام الكشافة في الموصل وكنا نلبس ملابس الكشافة الخاكية والسدارة وكان الطالب يجز رأسه (صفر) او (نمرة اثنين) اما اذا طال شعره فيعتبر نقيصة بحق الطالب ممكن ان يُعاقب او يُتحدث عنه بكلام غير جائز. من زملائي في القحطانية لؤي عبد الله النوري الذي اصبح من اشهر اطباء الاطفال، اما البقية فلا اذكر منهم احد.

 

- الطائي: دكتور ذكرتم انكم تتلمذتم على يد الراحل محمود الملاح وهو اديب معروف في الموصل فهل ترك اثر في نفسكم؟

ـ الطالب: في الحقيقة كان هناك عدة اشخاص يحملون اسم محمود الملاح فالمعلم الذي درسني كان قريب لمحمود الملاح الاديب المعروف الذي كتبت عنه.

 

- الطائي: ماذا عن التحصيل الثاني وهل هناك من الاساتذة الذين تركوا فيكم اثر بعد الابتدائية والمرحلة الثانوية هل هي مرحلة اكتمال لنمو الشخصية؟

ـ الطالب: في الحقيقة ان المدرسة المتوسطة كانت هي بداية نضجي وقراءتي ويعود الفضل الاول للاستاذ محمود الجومرد كان يدرسنا العربية لثلاث سنوات وكنت بارزاً في العربية وكان عدد كبير من الاساتذة المتميزين، في التاريخ عبد الرحمن صالح، في الجغرافية احمد الصوفي، في الرياضيات قاسم محمد علي، هؤلاء تركوا اثراً كبيراً في نفسي وكنت في الدراسة من المتفوقين ويعود هذا الى التوجه الذي كان يسود الاسرة وكنت دائماً معفو من الدروس والغريب اني برزت في مادتين هما الرياضيات واللغة العربية وحصلت في امتحان البكلوريا (ثالث متوسط) على 100% في الرياضيات و 99% في اللغة العربية. وكان مدير الاعدادية آنذاك وهي واحدة في الموصل عزيز جاسم وهو الذي يتحكم بالقبول فاضطرني الى الدخول الى الفرع الادبي وكان يقول هناك 5 حصلوا على 100 في الرياضيات وواحد على 99 بالعربية واذكر من الذين حازوا 100 الدكتور زكي الملاح و الدكتور عبد الاله عبد الموجود فكان سني صغيراً لم يسمح لي بالذهاب لمحافظة اخرى لدراسة الاعدادية.

 

- الطائي: هل تحمل دكتور ذكريات عن التربوي الراحل عبد الرحمن صالح وهو احد التربويين المهمين في الموصل وقد رحل قبل اعوام قليلة؟

ـ الطالب: كان يمثل لنا كمراهقين المثل الاعلى للاستاذ والاب والمرشد والموجه وكان يمتاز بقدرة فائقة على ايصال المادة وكان يدرسنا مادة التاريخ القديم وهي مادة صعبة جداً بالنسبة للطالب في الاول الثانوي وكذلك بالنسبة للتاريخ الاسلامي في الصف الثاني والاوربي في الصف الثالث في الحقيقة. كان يتمتع بشعبية كبيرة جداً وكتبت عنه دراسة مستفيضة ضمن كتابي عن اعلام وشخصيات الموصل.

 

- الطائي: هل تحدثنا عن ظروف انتقالكم الى بغداد ودراستكم الجامعية فيها؟ واشهر معاصريكم من الاساتذة؟

ـ الطالب: في الاعدادية قابلت عدة اساتذة منهم قاسم محمد علي الذي انتقل من مدرسة المثنى الى الاعدادية ودرسنا في الاعدادية وكان هناك هاشم سليم الذي كان يدرسنا الجغرافية الاقتصادية.

اما الانتقال الى بغداد فاضطرني اهلي الى دخول كلية الحقوق ولم ارغب بهذه الكلية اصلاً واردت الدخول الى كلية الطب لكن اهلي لم يسمحوا لي وكان هناك طلبة يسافرون الى سوريا لدراسة الطب. وكان الطالب الذي يحوز اكثر من 75% يرسل الى الخارج وكنت مؤهلاً للبعثة ودرست الفرنسية في الصيف لادرس في فرنسا القانون ولكن في تلك السنة منعت البعثات لطلبة المتوسطة بالسفر الى الخارج ما عدا طلبة الجامعة. فكنت مضطراً للذهاب الى بغداد. فقدمت اوراقي هناك وبعد ذلك وبمساعدة اولاد عمي د. هشام الطالب وعبد المالك الطالب فقدمت اوراقي الى دار المعلمين العليا ايضاً وكنت اداوم في دار المعلمين العليا صباحاً وفي كلية الحقوق مساءاً فكان الزميل الذي يجلس بجانبي في كلية الحقوق يسجل الغياب في كلية التجارة وقال لي لماذا لا تسجل في كلية التجارة ما دمت تريد الدراسة في اكثر من مجال. فذهبت و سجلت في كلية التجارة وعندما سجلت كان هناك صف ثاني وثالث فساعدني في التسجيل. ومن الغرابة ان تبدأ الامتحانات في وقت واحد فكنت امتحن في التجارة ساعة 7 واجاوب خلال 50 دقيقة واعبر السدة الى دار المعلمين وامتحن واذهب مساءاً الى كلية الحقوق. وكان هناك الاستاذ النافوسي مدرس المحاسبة في كلية التجارة يعطي سؤالين احدهما طويل يأخذ ثلثي الدرجة والسؤال الثاني ثلث الدرجة وهي مادة مهمة. فكنت اجاوب على السؤال الطويل خلال 50 دقيقة فأحصل على 60 وانجح بجيد جداً في ثلاث كليات في الدور الاول وانهيت الدراسة عام 1953. والحقوق كانت نزولاً عند رغبة الاهل. ودراسة التجارة كانت مجرد محاولة لم انتظم فيها كنت احضر عند الاستاذ الذي ارغب بالدخول لمحاضرته والذي لايضيف الي جديداً لا ادخل محاضرته.

 

- الطائي: في تلك الفترة بدأ الاهتمام بالادب والنضوج الادبي؟

ـ الطالب: كان اهتمامي بالادب منذ الصف الاول الثانوي مع الاستاذ محمود الجومرد الذي دفعني الى قراءة طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد والرافعي وغيرهم من الادباء ونشرت لي اول قصة في مجلة المصري عام 1949 وانا في الصف الخامس الثانوي بدفع من الاستاذ ذو النون شهاب، كما نشرت عدة مقالات في مجلة الالهام التي كانت تصدر في المدرسة الاعدادية ويشرف عليها الاستاذ ذو النون شهاب، وكنت عضواً في لجنة الخطابة من الصف الاول في المثنى وكنت رئيساً في الصف الثاني للجنة الخطابة، اما في السنة الاولى كان د. برهان ملحم هو رئيس لجنة الخطابة. والفت مسرحية ومثلتها وانا في الصف الثاني متوسط  ومثل معي المرحوم سالم حسين والاستاذ سعد علي الجميل وحزتُ على جائزة من قبل المتصرف آنذاك المرحوم سعد القزاز.

 

- الطائي: ماذا تقولون بحق الراحل ذو النون شهاب؟

ـ الطالب: هو استاذ متميز وله فضل على الحركة الادبية في الموصل وهو كمدرس يعتبر من ناحية التعامل مع الطلاب مدرساً نموذجياً ويشجع الحركة الادبية في الموصل. اولاً كان سكرتير تحرير مجلة الجزيرة وكان لها اثر كبير في الموصل وكان عضواً فعالاً في الندوة العمرية وايضاً كان لها تأثير فعال في الاوساط الادبية آنذاك والحركة الثقافية ونحن جميعاً ندين له بفضل كبير وفضله لا ينسى.

 

- الطائي: تلقيتم التعليم الابتدائي والثانوي في الموصل والجامعي في بغداد فكيف كان التفاعل آنذاك مع الاوضاع السياسية القائمة خاصة في العهد الملكي وان العراق مر بظروف سياسية صعبة وتحولات اجتماعية كبيرة؟

ـ الطالب: ان الحرب العالمية الثانية نشبت وانا طالب في الصف الثاني الابتدائي، وحركة رشيد عالي الكيلاني وانا في الصف الخامس الابتدائي وما زلت اذكر تماماً عندما كانت الطائرات الانكليزية تأتي لقصف الموصل ولا سيما حينما قصفت منطقة رأس الجادة وحدث فيها عدد كبير من القتلى، ما زلت اذكر الجنود الهنود من المانيان والسيخ والجنود البولونيين كانوا يجوبون شوارع الموصل. نظام الكشافة خلق فينا روح قومية قوية جداً وكنا نخرج الى ساحة المدرسة بعد الدوام ونتمرن على السلاح ونقوم بتدريبات عسكرية. استمرت هذه الروح لان الحرب انتهت وانا طالب في المدرسة المتوسطة عام 1944-1945. بعد ذلك بدأت الحركات السياسية وانا في المدرسة الاعدادية كانت الاولى اواخر عام 1947 بسبب معاهدة بورتسموث التي كانت اشد لعنة من معاهدة عام 1935 وطالب الشعب فيها بمظاهرات صاخبة صالح جبر رئيس الوزراء آنذاك تغيير المعاهدة لكن المعاهدة بقيت ولم تتغير على اثرها في بدايات 1948 حدث تقسيم فلسطين وحدث الاضراب المشهور الذي دام ثلاثة ايام في المدرسة الاعدادية وكنتُ مشاركاً فيه واضربنا عن الطعام لمدة 3 ايام وكانت الحركة (الانتفاضة) قوية جداً وكان لها تأثير كبير مما دفع الحكومة العراقية آنذاك في العهد الملكي الى الاستجابة وارسال الجيش العراقي لتحرير فلسطين، لكن يبدو ان المسألة كانت شبه تمثيلية لا اكثر ولا اقل ولدي مذكرات خالي العقيد محي الجلبي الذي كان مع هذه القوات في تلك الحرب وان العملية كانت ليست جادة تماماً وبهذا خسرنا فلسطين وكان بامكان الجيش العراقي كما يقول خالي العقيد محي الجلبي بالامكان دخول تل ابيب وطرد الصهاينة منها بكل بساطة ولكن كنا نُمنع من ذلك وقدم خالي في وقتها الى محاكمة اتهموه فيها بأنه قتل الاسرى الاسرائيليين وعلى اثرها من شدة حزنه لشعوره القومي الفياض اصيب بمرض السل وكان السبب في وفاته. في الكلية الانتفاضات كانت قوية وفي دار المعلمين العليا كانت تمثل بؤرة اساسية للحركات الوطنية وفي تلك السنة، سنة دخولي دار المعلمين العليا عام 1949 فتحت كلية الاداب وكانت تقبل المعدلات الواطئة بينما ترى دار المعلمين العليا كانت تقبل المعدلات العالية جداً. وكنت انا الثاني في الامتحان الاعدادية بالنسبة للموصل وكان الاول غانم حمودات وكان يزيدني درجة واحدة فقط بالنسبة للمجموع.

اذكر في تلك الفترة حدثت انتفاضات عدة منها انتفاضة 1952 ومنها 1953 وبالذات سنة 1952، الدراسة عطلت لمدة شهرين وعدنا الى الموصل. وانتفاضة 1953 في بغداد وكان لها ايضاً صدى في بقية المحافظات.

أما من الأساتذة الذين اذكرهم في دار المعلمين العليا كان بالدرجة الاولى الاستاذ الدكتور عبد الستار الجواري الذي كان يدرسنا النحو لمدة اربع سنوات و الاستاذ محمد مهدي البصير و الاستاذ الدكتور مصطفى جواد والدكتور عبد العزيز البسام كان يدرس مادة علم النفس في الحقوق. واذكر الاستاذ الدكتور حسن علي الذنون وهو موصلي ومتميز كان في مادة الالتزام وجبرائيل البنا وهو موصلي ايضاً وكان متميزاً في قانون العقوبات وعدد كبير من الاساتذة من المصريين ذوي التأثير الكبير مثل جابر جادة وعبد الرحمن استاذ الاقتصاد المشهور.

 

- الطائي: هل نتوقف عند عدد من معاصريكم من الادباء كعبد الواحد لؤلؤة والبياتي والسياب وداؤد السامرائي ونوري القيسي؟

ـ الطالب: في الحقيقة زاملت عدد كبير من الادباء منهم من كان معي في نفس الصف مثل الشاعر الكبير سعدي يوسف والشاعر محمد جميل شلش والشاعر زكي الجابر هؤلاء الثلاثة كنا معاً في الصف الاول الى الصف الرابع في صف واحد في قسم اللغة العربية ومنهم من كان معي في نفس الردهة مثل الشاعر محمد جميل شلش لمدة اربع سنوات، و عبد الرزاق عبد الواحد كان يسبقني سنة واحدة. وكان معاصراً من المعاصرين لي في كلية الاداب المرحوم شفيق الكمالي الشاعر، والمرحوم عبد الوهاب الغريري الشاعر ايضاً ومن الاساتذة الذين لهم حضور كبير الان بالنسبة للدراسات الادبية عبد الواحد لؤلؤة كان يسبقني سنة واحدة وكان في قسم اللغة الانكليزية وبقينا انا وهو لمدة سنتين في ردهة واحدة، و الدكتور جميل نصيف التكريتي و الدكتور نوري القيسي والدكتور داؤد سلوم والدكتور احمد مطلوب والدكتور جلال خياط وكان قد تأخر عني لمدة سنتين بسبب ضعفه بالرياضيات ولكنه كان بارزاً جداً باللغة العربية.

كما ان الجو الادبي كان بارزاً في المقاهي ولا سيما في مقهى حسن عجمي وكنا نذهب انا وسعدي يوسف الى المقهى ونلتقي هناك بالجواهري وبالسياب وبالبياتي ونشأت بيننا علاقة حميمة جداً وقد يكون هذا المقهى هو الذي صنع من سعدي يوسف شاعراً على مستوى ليس قطرياً وعربياً وانما اصبح الان على مستوى عالمي.

 

- الطائي: هذا الحشد من الادباء هل ترك لكم اثر في نشاطاتكم الادبية وفي نفسكم؟

ـ الطالب: لا استطيع ان اقول هذا انما اقول وجودي انا وسعدي يوسف هو كشاعر وانا كقاص كانت هناك مباراة بيني وبينه هو في كتابة الشعر وانا في كتابة القصة اما بقية الشعراء، فكنا ننظر الى الجواهري باعتبار انه علم من اعلام الشعر العربي لا يمكن الوصول اليه ونفس النظرة الى السياب والى البياتي.

 

- الطائي: هناك مسألة معروفة عنكم، على الرغم من اهتمامكم الكبير في الادب لكن لم يعرف عنكم تقريضكم للشعر هل هناك اسباب محددة لذلك؟

ـ الطالب: انا نظمتُ شعراً ونشرت شعراً، لكنني لا اريد ان يقرأ هذا الشعر لانه كان شعراً بدائياً ورومانتيكياً اراه الان يتميز بفجاجة في العواطف كمراهق لا اكثر ولا اقل.

ولو قرأت رواياتي وقصصي بإمعان لوجدت ان الشعرية موجودة في جملتي القصصية، ويعود هذا الى انني كنت اهتم بالشعر اهتمام جداً كبير ولكنني نقلته من الجملة الشعرية الى الجملة النثرية في كتابات رواياتي وقصصي.

 

- الطائي: ماهو موقفكم من التراث والمعاصرة والحداثة والقدم؟

ـ الطالب: انني كنت مع الحديث لا اقول حداثة، لان قراءاتي الاولى كانت محصورة فيما كان يُكتب حديثاً بدءاً من البارودي والمنفلوطي وجبران وغيرهم ولكن في المدرسة الاعدادية توجهت الى قراءة التراث بعد ان اعجبت بالشعر العربي القديم وبالنثر العربي القديم، ويعود الفضل في هذه العودة الى استاذي ذو النون الشهاب فقرأت البيان والتبيين وقرأت الابداع والمؤانسة للتوحيدي وقرأت ديوان الحماسة وعدد كبير من كتب التراث وزاد اهتمامي بالتراث في دار المعلمين العليا، وكنت قارئاً نهماً فكنت اقرأ كل الكتب المجودة في مكتبة دار المعلمين العليا. وكانت المكتبة من اغنى المكتبات الموجودة في بغداد، ولهذا لا استطيع ان اقول ان اهتمامي انحصر في التراث او في الحديث انما في كلا المجالين، وهذا ما ساعدني على التدريس عندما قدمت الى كلية الاداب، واسست قسم اللغة العربية لم يكن معي غير استاذين فقط وكان علي آنئذ ان ادرس جميع المواد. خلفيتي التراثية ساعدتني في تدريس الادب الجاهلي والادب الاسلامي والادب العباسي والبلاغة والنحو وعلوم القرآن ومواد اخرى مختلفة.

اما بالنسبة للحداثة، فأستطيع ان اقول اني بدأتها عام 1984-1985 عندما بدأت التدريس هناك وتدريس طلبة الدراسات العليا بالذات، كان علي ان اطلع على النظريات الحديثة التي لم نكن نعرفها في العراق مثلاً البنيوية السيميائية الابسمولوجية، فبدأت ادرسها من جديد وساعدني في ذلك ان الاستاذ هناك نصابه 3 ساعات في الاسبوع وهو حر في ان يختار اليوم او الساعة التي يدرس فيها هذه المادة. فكنت ادرس فقط يوم الثلاثاء بين الساعة الواحدة الى الساعة الرابعة يعني في وقت مقتول. باقي الاوقات كنت استغلها في قراءة الكتب التي تمتاز بالحداثة وساعدني على ذلك عدد كبير من الاصدقاء المغاربة الذين درسوا في فرنسا البنيوية والسيميائية والابسمولوجية. وعندما عدت الى العراق عام 1989، حاولت ان ادخل هذه المناهج الحديثة في الدراسات العليا، وفعلاً خرجت عدداً كبيراً من حملة الدكتوراه من الذين اتجهوا نحو الحداثة.

 

- الطائي: نتوقف عند مرحلة مهمة من حياتكم الاكاديمية والتحصيل الدراسي العالي ورحلتكم الى مصر هل نتعرف عن ظروف دراستكم هناك؟ ومعاصريكم وزملائكم العراقيين؟

ـ الطالب: هذه المسألة هي الاخرى، اعتمدت على الصدفة لانني لم اكن افكر اطلاقاً في ان اكمل دراستي باللغة العربية، انما كنت احب الاقتصاد وكنت مدرساً ناجحاً في المدرسة الاعدادية او في المدارس الاعدادية في الموصل لمادة الاقتصاد، هذا دفعني لان ارغب في اكمال دراستي في الاقتصاد، وكان ابن عمي الدكتور عبد المالك الطالب يدرس في جامعة سينسناتي فأرسلت اليه طلب بان يحصل لي على قبول لاكمال دراستي في الاقتصاد، وعندما عدت وجدت ان القبول تأخر، اظطررت للتقديم الى جامعة السوربون لدراسة القانون، وحصلت على اجازة دراسية من وزارة المعارف آنذاك وتسمى حالياً (وزارة التربية والتعليم) وهذه الاجازة كانت متخصصة في دراسة النقد (اجازة لادرس النقد على اساس ان هذه المادة حديثة وليس فيها اساتذة متخصصين في الكليات العراقية، تأخر وصول القبول من جامعة سينسناتي ومن جامعة السوربون دفعني الى ان اوافق على الذهاب الى مصر لدراسة النقد في جامعة عين شمس. وكنت اول مقبول في جامعة عين شمس لانها لم تكن تقبل الطلبة العراقيين لانها كانت تعتمد الانكليزية في الدراسة، هناك حاولت ان ادرس كورسات في الشريعة الاسلامية في جامعة القاهرة في كلية الحقوق/ دبلوم عالي. وفي القانون الدولي، ودرست في معهد الدراسات العربية العليا الاقتصاد السياسي.

من الاساتذة الذين اذكرهم: استاذي الدكتور عبد القادر القط الذي وضع قدمي في المكان الصحيح لدراسة وتدريس النقد، وبعد ذلك اتجه مستقبلي هذا الاتجاه بحيث بقيت مدرساً لحد الان لمادة النقد، والفت كتب كثيرة في هذا المجال.

 

- الطائي: كيف وجدتم الواقع الادبي في مصر مقارنة مع العراق في تلك الفترة؟

ـ الطالب: الفترة التي ذهبت فيها الى مصر كانت بين عام 1963 الى 1967. حصلت على الماجستير سنة 1965 وحصلت على الدكتوراه 1967، كانت في اقصى ازدهارها الادبي. وكان آنذاك الرئيس جمال عبد الناصر مهتماً بالحركة الادبية والفنية اهتماماً كبيراً. وكان الدكتور عبد القادر القط وهو مشرفي في الماجستير والدكتوراه، كان مسؤولاً عن اصدار عدد كبير من المجلات المهمة مثل مجلة شعر ومجلة مسرح ومجلة السينما والمسرح فضلاً عن انه كان مسؤولاً عن التلفزيون المصري وعن الاذاعة. وزجني وانا اشكره على ذلك في خضم هذه الحركة الثقافية، وكنت اذهب واياه الى كل المحافل الثقافية، سواء الى المسرح ام الى ندوة في القصة في نادي القصة ام اساعده في قراءة البروفات في مجلة شعر او مجلة المسرح او مجلة السينما والمسرح وهذا ما جعل الماماتي متعددة ومتشعبة الاتجاهات في نواح كثيرة.

 

- الطائي: دكتور، بعد عودتكم من مصر هل لكم ان تحدثونا بعجالة عن عملكم داخل الجامعة او خارجها؟

ـ الطالب: في الحقيقة كنت عضواً في اتحاد الادباء منذ عام 1959، وانا مدرس في الاعدادية الشرقية، وفي اتحاد الكتاب والمؤلفين الذي اسس كواجهة مضادة لاتحاد الادباء، وكنت عضواً فيه ايضاً منذ عام 1963. نشاطي الادبي كان قبل دخولي الى الجامعة عندما دخلت الجامعة قبلت في كلية التربية (تحول اسمها من دار المعلمين العليا الى كلية التربية)، كان الدكتور نجيب خروفة مساعد رئيس جامعة بغداد وكان في ذلك الوقت عبد العزيز الدوري مساعد رئيس جامعة الموصل، وتربطني بالدكتور نجيب اواصر حميمة وطلبت اليه ان انقل الى الموصل بسبب ظروف عائلية، فوافق وعندما جئت الى الموصل طلب مني ان ابقى في رئاسة الجامعة. بقيت اسبوعاً واحداً وجدت اني لا افعل شيئاً، بينما كنت اقرأ كل يوم كتاباً دون ان افعل شيئاً فطلبت منه ان انقل الى معهد المحاسبة. وعندما انتقلت الى معهد المحاسبة، درستُ الاقتصاد والتسويق والقانون يعني لم استخدم اختصاصي الحقيقي. وعندما حصلت على اجازة دراسية وعدت الى القاهرة مرة اخرى وحصلت على الدكتوراه كانت كلية الاداب قد فتحت في جامعة الموصل وتأسست جامعة الموصل. فطلب مني ان اؤسس قسم اللغة العربية وكان آنذاك معي الاستاذ الدكتور حازم طه وكان استاذاً اخر جاء من البصرة بقي لسنة واحدة ثم استعنا بأساتذة مصريين حتى بدأ الاساتذة يتوافدون د. حازم عبد الله كان ماجستير آنذاك و د.سالم الحمداني كان ماجستير آنذاك و د.مناهل كانت ماجستير آنذاك.

 

- الطائي: نعود الى سفركم الى المغرب كيف وجدتم الاختلاف بين المدرستين العراقية والمغاربية؟

ـ الطالب: الاختلاف الجذري، في الوقت الذي يهتم الاديب العراقي بالابداع ولا سيما بالنسبة للشعر ويعد العراق في طليعة الاقطار العربية بالنسبة للشعر، نجد ان الابداع لا يخفى بذلك الاهتمام في المغرب انما التنظيم والحركة المادية كبيرة وواسعة جداً. ومن هنا نجد اختلافاً جذرياً بين منهجين نقديين في الوقت الذي يسود المنهج التقليدي او الانطباعي واحياناً النفسي في النقد العراقي، نجد ان الحداثة النقدية في المغرب لا سيما البنيوية والسيميائية والابسمولوجية.

 

- الطائي: نعود مرة اخرى الى مدينة الموصل ماذا تمثل مدينة الموصل بالنسبة للدكتور عمر الطالب؟ وما هو موقفكم من تراث المدينة والمعروف بأنكم بدأتم تؤرخون منذ فترة طويلة لشخصيات الموصل واعلامها، هل هذا نابع من حبكم للتراث او تقديراً منكم لاهمية الادوار التي قام بها تلك الشخصيات في الموصل وما تركته من اثار في الادب والفن والتاريخ والسياسة؟

ـ الطالب: في الحقيقة ان حبي للموصل قديم جداً وهو الذي ابقاني في المدينة دون اخذ الفرص الحقيقية فيما لو خرجت من المدينة، ضحيتُ بالكثير من الفرص في سبيل حبي لهذه المدينة وعلى الرغم من انني جبتُ اكثر دول العالم، لكنني ما زلت اجد الموصل هي اجمل مدينة في العالم. حتى مقارنة بفنيسيا او فلورنسا او موسكو او لندن او باريس. اما اهتمامي بالتراث الموصلي فهذا يعود الى بيئتي الشعبية التي عشت فيها والى العدد الكبير من الاصدقاء والزملاء في الطفولة وفي الصبا وفي الشباب وكلهم من طبقات شعبية، هذا هو الذي دفعني للاهتمام بالتراث الشعبي الموصلي فكان اهتمامي بدأً بالحكاية الشعبية. وصدر لي كتاب عن الحكاية الشعبية عام 1981 ثم بدأ اهتمامي بالشعر الشعبي لا سيما الزهيري ونشرت في السبعينات نصوص ودراسات عدة حول الزهيري. لكن الاهتمام الحقيقي بدأ في المغرب. اثناء التغرب يجد الانسان حنيناً كبيراً لمدينته، ووجدت هناك ان الجامعة تهتم بالاقليم بالذات. يعني الجامعة في الرباط اساتذتها يدرسون ادباء وشعراء الرباط والتراث الشعبي في الرباط وهكذا.

فعندما جئت الى الموصل كنت اتحدث مع د. محي الدين توفيق حول هذا الموضوع فطلب مني ان اكتب دراسات عن شخصيات موصلية. وكان هذا عام 1989 واذكر ان اول دراسة كتبتها كانت بمناسبة وفاة القاص ذو النون ايوب فكانت دراستي الأولى، ومن هنا بدأت في دراسة الاعلام ولحد الان درست ستين ومئة علم من أعلام الموصل وشخصيات الموصل، وفي كتابين منفصلين كل واحد منهما ضم ثلاثة اجزاء لحد الان فضلاً عن دراساتي الاخرى في الغناء والموسيقى والحكاية الشعبية والنقد في الموصل. وجوانب متعددة اخرى من الحياة الموصلية.

 

- الطائي: هناك مسألة ربما تكون غير معروفة لدى المهتمين بالادب والحركة الادبية في الموصل متعلقة باهتمامكم بالتصوف وفي مرحلة من مراحل حياتكم وربما قد دخلتم هذا العالم وسبرتم اغواره هل لكم ان تحدثونا عن هذه التجربة ومدى انعكاسها على حياتكم العلمية والادبية؟

ـ الطالب: التصوف في الحقيقة مسألة ربيتُ عليها، كانت المرحومة والدتي متصوفة وكان والدي هو الاخر متصوفاً على الرغم من انني لا اعرفه جيداً، لكن بعد ان قرأت كتب التصوف وبالذات احياء علوم الدين للغزالي ثم بدأت في قراءة مذكراته التي يكتبها وهو في الهند نتيجة لعمله هناك في تجارة الخيول، بدأ عندي نوع من الاهتمام بهذه المسألة، ثم بطبعي لا اميل الى البهرجة بل اميل الى البساطة وارضى بكل شيء الى الان. لم اقل هذا الشيء يعجبني وهذا لا يعجبني كل ما اجده امامي اكله وامضي حتى لا احس بانزعاج اما اهتمامي في حركة التصوف كانت صدفة، اشتكى احد الطلبة وكنت رئيساً للقسم آنذاك على مدرس التاريخ حول نقاش لمسألة ما تدور حول القضايا الروحية وكان هذا عام 1969. وكنت ادرس في كلية الادارة والاقتصاد في الدراسة المسائية. فدعاني الطالب الى ان احضر بعض حلقات الذكر للمتصوفة ولم امانع لانني ذهبت بمعية عدد كبير من الاساتذة الذين كانوا يدرسون في كلية الادارة والاقتصاد وكانت ليلة مدهشة، احدهم وضع في جسمه اكثر من 70 سيف والاخر قلع عينه ثم اعادها مرة اخرى، هذا الجو الخيالي شدني اليه بقوة فبقيت معهم لمدة سنتين، وكنت مواظباً جيداً، اذهب كل ليلة اثنين وكل ليلة جمعة في الزنجيلي لحضور التكية وبلغت (مرتبة خليفة) وهذه المرتبة عالية جداً وحتى قمت بعد ذلك برقية الناس المرضى وكانوا يتوافدون على الشيخ وعندما يكون الشيخ مشغولاً كنت احل محله فيما نسميه العزامة وحاولت ان اعرف السر في هذه المسألة كيف يستطيع سيد مهدي ان يضع في جسده اكثر من 70 سيف ولكنني لم اتوصل منهم الى نتيجة وكان ان كتبت قصتي التي اثارتهم وكان اسمها (مطر الايام الجليدية) وكانت تدور حول هذا النوع من التكايا.

 

- الطائي: هل كنت تعتمر الكوفية والدشداشة؟

ـ الطالب: نعم كنت البس نفس لباسهم، فقط لم اطل لحيتي بسبب وجودي في الجامعة وكان آنذاك الدكتور محمود الجليلي رئيساً للجامعة ولا يسمح باطالة اللحى للاساتذة ورؤوساء الاقسام فكنت مضطراً الى ان احلق لحيتي ولو المجال مسموح لاطلتها لاني اردت ان احيا معهم حياتهم الحقيقية. بعد هاتين السنتين كتبتُ رواية حول هذه الاجواء ومازالت مخطوطة الا ان هذا التأثير بقي في كتاباتي وموجود ولا سيما في روايتي (انسان الزمن الجديد).

 

- الطائي: لقد عاصرتم الموصل القديمة هل هناك ذكريات عن خطط الموصل القديمة واشهر مقاهيها ومنتدياتها وماذا تقول عن مجلس المرحوم د. داؤد الجلبي والندوة العمرية والغلامية التي كانت تقام آنذاك؟

ـ الطالب: في الحقيقة الندوة الغلامية كنت صغيراً جداً والمرحوم رؤوف الغلامي درسني مادة الدين في متوسطة المثنى في الصف الاول الثانوي. لم الحق عليه، الندوة العمرية كنت طالباً في الاعدادية وبالتالي لم يكون عمري يساعد لحضور مثل هذه الندوات ولو ان استاذي ذو النون شهاب كان يحثني على الحضور لكنني لم احضر هذه الندوة.

انما عرفت ما كان يسمى (قبولاً) عن د. داؤد الجلبي وذلك بسبب القرابة التي تربطنا وكنت آنذاك لا استطيع التحدث عندما يتحدث الكبار وبالذات من يحضر المجلس بمستوى عالي جداً مثل د. عبد الجبار الجومرد وسعيد الديوه جي واحمد الصوفي وبشير الصقال هؤلاء الذين كانوا يحضرون والشيخ الجليلي ومحمود الجلبي كانوا يحضرون، وتوفي داؤد الجلبي عام 1961 ولا زلت شاباً يافعاً، فذكرياتي عن مدينة الموصل كثيرة، واكتبها الان في مذكراتي بعنوان (ما قاله طرفة لعشيرته).

في الحقيقة ذكرياتي كثيرة جداً وتحتاج الى ساعات واعتقد ان من سيقرأ هذه المذكرات سيعرف الدقائق، خطط الموصل وابنيتها آنذاك ومقاهيها المهمة وما كان يحدث فيها لانني عاصرت مثلاً سيد احمد ابن الكفغ عندما كان يغني في باب السراي في نفس الوقت وعاصرت المسرح في الاعدادية الشرقية عندما كانت تقدم مسرحية موليير في الاربعينات والخمسينات.

الحركة الادبية عاصرتها من بداياتها الاولى الى الوقت الحاضر وكان عندي منتدى ادبي يقام يوم الجمعة في داري من الساعة 9 صباحاً الى 5 مساءاً ومعظم ادباء المدينة كانوا يحضرون هذا المنتدى كنا نقرأ فيه شعر او قصص وخطب وبعد ذلك اوقفتُ المنتدى عندما بدأت المؤسسات الرسمية والشعبية ولا سيما ان تعززت الثقافة الجماهيرية وجدت انها تحل محل هذا المنتدى الذي كنت اقيمه.

 

- الطائي: دكتور نتوقف عند نتاجاتكم الادبية والقصصية ونسأل كيف تختار الشخوص وابطال قصصكم والاخيلة والصور؟

ـ الطالب: في الحقيقة اني كتبت الكثير جداً وكنت في الماضي اُدهش عندما اقرأ ان فلان الف كذا من المصنفات فأقول متى كان يكتب كل هذا. ولكن وجدتُ نفسي قد قمت بالعملية ذاتها. لدي من الدراسات النقدية 37 كتاب الى حد الان. اما الكتب الابداعية يعني من مجموعات قصصية وروايات فبلغت الثلاثين. وما نشرته في الصحف والمجلات العراقية والعربية والاجنبية العالمية يربو على 900 مقال. بين نقد وقصة وخاطرة او مقالة او أي شيء من هذه الاشياء.

 

- الطائي: هذا الكم الكبير من الكتب والمقالات هل تعرضتم لنقد ما؟

ـ الطالب: في الحقيقة اجمع كل ما يكتب عني وهو كثير جداً، في الحقيقة لم اتعرض الا لنقد واحد عام 1971 ورددت على هذا النقد بمقال طويل جداً، نشر في الاديب المعاصر عام 1972 وكان 70 صفحة. ولكن ادارة المجلة آنذاك رأته طويل فنشرت نصفه فقط دون النصف الاخر وفي كتاب الفته عن النقد في العراق سأنشر النقد الذي وجه الي والرد الكامل الذي رددته. وغير هذا لم يوجه الي أي نقد في الصحف والمجلات بل على العكس تماماً، كان يوجه الي الاطراء وانا افضل النقد على الاطراء لان النقد يحفزني على ان اعمل اكثر وانا من النوع الذي يتحدى دائماً وانه استمر في الانتاج.

 

- الطائي: لو سألنا عن الهوايات، ستقول القراءة والكتابة هي في طليعة اهتماماتك ولكن هناك مسألة معروفة عن د. الطالب وهي ظاهرة المشي وهذه الظاهرة ربما قديمة لان المعروف عن المرحوم د. داؤد الجلبي كان يمارس هذه الظاهرة. والمعروف عنكم حالياً انكم تسيرون لفترات طويلة هل تحدثونا عن الفلسفة لهذه الظاهرة هل هي فلسفة مادية او طبية او أي شيء من هذا؟

ـ الطالب: ظاهرة المشي كانت في البداية مجرد ممارسة عندما كنا نذهب الى المدرسة كنا نسير على الاقدام، لاننا لانحتاج الى وسائط نقل يعني كنت آتي من المكاوي مثلاً الى الاعدادية الشرقية سيراً على الاقدام وهي عادية جداً واذهب الى الغزلاني لمشاهدة لعبة كرة قدم مثلاً او الى الطيران سيراً على الاقدام جيلنا كان مشّاء واصبح المشي جزء من كياننا بعد ذلك تحول الى فلسفة وهناك عدد من المشّائين في الموصل لا يرضون اطلاقاً ان يركبوا واسطة نقل وانا في داخل الموصل لا اركب أي واسطة نقل والسيارة فقط تنقلني من الكلية الى الدار وبالعكس. وعندما يكون الطقس حسن افضل السير من الطيران الى المجموعة في الصباح واعود عصراً او ظهراً الى الدار. الفلسفة هي ان المشي يعلمك كيف تتواضع كيف ان تحس بأنك خلقت لتعمل لا للتفاخر او تتظاهر بالشيء. المسألة الاخرى انها وسيلة للتفكير، فانا افضل ان اسير واخطط الفصل واكتبه في اليوم التالي او بعد عودتي من المسير.

كان هناك فائدة اخرى ان المشي ثبت بأنه افضل انواع الرياضة لانه يحرك الدورة الدموية. ويجعل الوزن مناسباً وهذا ما ساعدني على ان احافظ على وزني، فبقي كما هو بمعدل 65 كغم لم يزد عن هذا الوزن اطلاقاً حتى بعد ان تجاوزت الخمسين بلا شك. عندما اُسأل ما الذي ابقاك وانت قد تجاوزت الستين بهذا النشاط؟ اقول المشي لانه يولد طاقة واستمرارية في الحركة ويبقيني نشطاً وبصراحة اقول سعيداً. واسعد لحظات حياتي عندما امشي. سواء مشيت منفرداً وهذا اكثر ما يحدث لي او مشيت مع صديق احبه او مع طالب لديه اسئلة، افضّل الاوقات التي اجيب فيها على هذه الاسئلة عندما امشي في مسيرتي اليومية من الطيران الى فندق اوبروي ذهاباً واياباً. وهي مسافة تزيد على 7 كم.

 

- الطائي: هل لديكم اسهامات ثرة في الحياة التعليمية؟ ترى ما هي من وجهة نظركم مقومات نجاح الحركة التعليمية في المدينة؟

ـ الطالب: في الحقيقة مدينة الموصل مدينة بارزة بالنسبة للتعليم منذ القديم مع المدرسة الخضرية بدأت نشاطات اساتذة كبار، تتلمذنا على نماذج من الاساتذة استطيع ان اذكر على الاقل اربعة كان لهم اثر كبير جداً في مسيرتي التعليمية هم محمود الجومرد اولاً، عبد الرحمن صالح ثانياً، قاسم محمد علي ثالثاً، وهاشم سليم رابعاً. من هؤلاء اخذت افضل ما لديهم. اخذت منهم غزارة المادة، عندما ادخل المحاضرة اكون ملماً بكل جوانبها، نتيجة لدراستي لعلم النفس استطعت ان اتعرف على طبيعة كل طالب موجود في الصف، ولهذا لا اتعامل مع جميع الطلبة تعاملاً واحداً انما اتعامل مع كل واحد منهم حسب اخلاقياته وتربيته الخاصة. هذا لا يكفي وحده انما يحتاج المدرس الى ان تكون هناك علاقة حميمة بينه وبين الطالب ان يشعر الطالب بأنه ليس عدواً وانما هو صديق او اخ وبهذا تبقى العلاقة متينة. انا لم انس طلبتي منذ عام 1953. عندما عينتُ لاول سنة في الشرقية. وفي المثنى واخيراً في الجامعة.

هناك مسألة مهمة جداً بالنسبة لذلك هو كيف تلقي المحاضرة؟ المحاضرة ليست مجموعة معلومات، انما هي طريقة توصيل، كيف توصل المادة، اذا يجب ان ترتب المادة ترتيباً دقيقاً ومتواصلاً اولاً. ثانياً ان تتكلم بطريقة مؤثرة ..ان تتلاعب بالصوت وللصوت اهمية كبيرة جداً في التعليم وثالثاً الحركة. ان تتحرك لا ان تبقى جامداً كي تستطيع ان تجذب انتباه الطلاب ورابعاً الاسئلة السريعة مع الاجابة السريعة دون ان تترك الطالب يتمادى في الاجابة فيضيع الوقت بهذا تستطيع ان تسيطر سيطرة تامة على الصف وتخرج من المحاضرة ولا تحس بتعب اطلاقاً وبالوقت ذاته ان تكون قد افدت واستفدت معاً.

 

- الطائي: لديكم نشاطات ثرة في الصحافة ومعروف عنكم مساهمتكم في تأسيس مجلة الجامعة وجريدة الحدباء وعملتم في الهيئة الادارية وايضاً قد كتبتم في هذه الصحف وهذه المجلات هل لكم ان تحدثونا عن طبيعة المساهمات وحركة التأسيس وظروف التأسيس في المدينةآنذاك؟

ـ الطالب: يعود اهتمامي بالصحافة الى المدرسة الابتدائية كما قلت بأن اخوالي كانوا يجلبون جميع المجلات الى الدار وكنت اقرأ هذه المجلات وعندما بدأت بالكتابة كانت البداية الاولة مع مجلة الالهام التي كانت تصدر في المدرسة الاعدادية وكان يشرف عليها آنذاك الاستاذ ذو النون شهاب مدرس اللغة العربية، كتبت فيها عدة مقالات قبل ان انشر اول قصة في مجلة المصري عام 1949 وبمساعدة استاذي ذو النون الشهاب ايضاً. وعندما انتقلت الى بغداد استمر نتاجي الادبي ونشرت في عدد كبير من الصحف الموجودة في العاصمة ولا سيما جريدة الزمان وجريدة البلاد.

    عندما ذهبت الى مصر بمساعدة استاذي عبد القادر القط كما قلت، كنت اساعده في اعماله العديدة لانه كان مشرفاً على العديد من المجلات الثقافية المصرية. وكنت انسق وارتب واقرأ البروفات وفي احيان كثيرة كنت اكتب له المقالة، حيث كان يمليها علي في مقهى الفيشاوي وكنت انا اكتبها ولما كنت اكتب المقالة سريعاً لا يستطيع القارئ المصري ان يقرأها، لذا كنت اذهب الى المجلة وعندما يرصف المقال للقط كنت اقرأ على العامل هذا المقال او اصحح هذا المقال. عندما عدت الى العراق بدأت مجلة الجامعة وبدأت مساهماتي وكان المسؤول عنها آنذاك هشام الطالب ونتيجة القرابة بيننا كانت مساهماتي كثيرة في مجلة الجامعة، حتى اختاروني عام 1977 لسكرتارية مجلة الجامعة. في الحقيقة وللتاريخ اقول المجلة كانت تقوم على اهداف اربعة: د. الجليلي وانا ومحمد زكي والمرحوم الحيالي الذي كان يشرف على تصميم المجلة وعلى الغلاف وبعد وفاته. دخلت عناصر اخرى منهم د. عبد الجبار حتى استطاعت مجلة الجامعة ان تقف في مواجهة آفاق عربية التي كانت ترصد لها الملايين. وكان المرحوم شفيق الكمالي نتيجة للزمالة التي كانت تربطنا عندما كنا طلاباً وحتى عندما كان مدرساً هنا في مدرسة المثنى وكنا نجلس معاً في المقهى كان يطالبني بأن لا اُخرج مجلة الجامعة بهذا الشكل لانها اصبحت منافساً قوياً لافاق عربية. وان اغير الشكل الى اخره.. وعندما توقفت مجلة الجامعة عام 1982 كان بسبب ظروف الحرب وبسبب ظروف اقتصادية، لكنها احتلت مكانة مهمة وجدتها في مكتبات الجامعة في المغرب وتونس والجزائر وباريس. وكانوا يعدونها احدى المصادر الاساسية ولايعيروها خارج المكتبة لندرتها واهميتها.

 

- الطائي: ماذا عن دوركم في جريدة الحدباء؟

ـ الطالب: بدأ المشروع باصدار جريدة الحدباء، ان الحزب كان يريد اصدار جريدة، وهذه الجريدة اتفق على تسميتها بجريدة الحدباء وحضر في وقتها شفيق الكمالي لتنفيذ مشروعين معاً، الاول هو فتح فرع لاتحاد الادباء في الموصل والثاني هو اصدار جريدة الحدباء. بالنسبة لجريدة الحدباء المسؤولين المؤسسين الثلاثة كانوا احمد المختار وانا ود. بشرى البستاني. وبعد ذلك اعطيت رئاسة التحرير للدكتور محي الدين توفيق ووزعت الصفحات على عدد من ادباء الموصل وكنت مسؤول صفحة دراسات من تأسيسها عام 1978 والى سفري الى المغرب عام 1984 وطلب مني د. محي الدين توفيق بعد عودتي عام 1989 ان اعود الى الجريدة مرة اخرى لم يكن لدي الوقت الكافي لان اتفرغ للجريدة.

 

- الطائي: دكتور عرف عنكم اهتمامكم بالحركة الادبية عموماً؟ واهتمامكم بمنتدياتها؟ هل لكم ان تحدثونا عن فترة تأسيس اتحاد الادباء في الموصل واسهاماتكم فيه وظروف النشأة؟

ـ الطالب: اتحاد الادباء، بدأ التفكير فيه في الموصل مع ثورة تموز وعقد اجتماع حضره ادباء الموصل في المكتبة العامة وكانت انذاك قرب المحافظة. وبعد ذلك لم يُنشأ الفرع لاسباب لا ادريها انما فُكر بالموضوع تفكيراً جدياً بداية السبعينات وفي الثقافة الجماهيرية بالذات والمؤسسن كنا 6: انا واحمد المختار والمرحوم محمود جنداري ومعد الجبوري وعبد الوهاب اسماعيل وذنون الشهاب. هؤلاء الستة هم المؤسسون لاتحاد الادباء في فرع نينوى وبعد ذلك حدثت انتخابات وتطورات اخرى ودخلت اسماء اخرى.

 

- الطائي: المعروف عنكم اهتمامكم بتاريخ الحركة السينمائية على مستوى نشاطاتكم في المقالات والدراسات التي نشرتموها سواء كان داخل او خارج العراق كيف كانت بداية اهتمامكم بهذا المجال؟

ـ الطالب: الحقيقة، البدايات كانت مع الموسيقى، عندما كنت صغيراً اصبتُ بمرض اقعدني اكثر من سنتين، وكان هذا بين 3 و5 سنوات من عمري وكانوا يريدون تسليتي عن طريق الموسيقى، وكان خالي د. داؤد الجلبي يعتقد بأن الموسيقى جزء من العلاج ولا ادري كيف شفيتُ من المرض قد يكون بسبب الموسيقى. ومن هنا بدأ تعلقي بالموسيقى لا بالموسيقى الحديثة فقط انما بالموسيقى القديمة ايضاً، درست المقام لكثرة ما سمعته واستطعت ان افرق المقام بشكل جدي. وسمعت في وقتها سيد درويش وسلامة حجازي وغيرهم وفي الموصل كان خالي يأخذني الى مقهى باب السراي لاسمع احمد المغني ابن الكفغ بعد ذلك ظهرت ام كلثوم وعبد الوهاب وكنا نستذوق الاغاني المصرية والسورية اكثر من استذواقنا للاغاني العراقية.

السبب ان اللهجة البغدادية كانت صعبة علينا بينما اللهجة المصرية سهلة لهذا نحفظ الاغنية المصرية بشكل اسرع مما نحفظ فيه الاغنية العراقية، وكنت اطرب لاصوات عراقية كثيرة.

اما السينما فكان ولعي بها منذ الطفولة، سينما الهلال وكانت تقع في شارع نينوى بالقرب من محل نجيب الجادر وكانت عبارة عن بنكلة كبيرة وكانت تعرض افلاماً عربية واجنبية، واذكر اول فلم شاهدته كان الوردة البيضاء لعبد الوهاب وكان عمري آنذاك 4 سنوات.

وكان هناك تقليد في الموصل ان كل ليلة جمعة كان الاولاد يذهبون الى السينما اما بمرافقة زملائهم او مع ذويهم وكنت وانا صغير اذهب مع اهلي وعندما انتقلت الى المدرسة المتوسطة والاعدادية كنت اذهب مع زملائي ولم اكن ادع فلماً دون ان اشاهده. ولهذا تكونت لدي تراكمات كثيرة للسينما العربية والاجنبية، وكدت ان اصبح مصدراً للسينما العربية فكثيراً ما استشار بمكالمات تلفونية من مجلة فنون سابقاً والاذاعة والتلفزيون عن الفلم الفلاني من هو المخرج من هو الممثل وعندما اصدر رضا الطيار كتابه المهم عن اثر القصة في السينما كتبت من الذاكرة اخطاء اخذت صفحة كاملة في جريدة الجمهورية وبقي الرجل شاكراً لي لانني صححت له هذه الاخطاء. بقي تعلقي بالسينما وازداد عندما سافرت للمغرب وجبتُ دولاً كثيرة في العالم وحضرت مهرجانات سينمائية كثيرة بحيث اصبح الان لا استطيع الا رؤية الفلم الممتاز والجيد جداً.

ولهذا كونت مكتبة للفيديو جمعت فيها 1000 شريط من الافلام الممتازة التي حازت على جوائز عالمية وهذا دفعني الى تأليف كتاب صدر في المغرب عن السينما العربية (السينما في الوطن العربي) درست فيه السينما في جميع الاقطار العربية. وقد ساعدني في ذلك في الحقيقة العديد من الفنانين سواء من الخليج العربي او من شمال افريقيا الذين كاتبتهم لانني لا اعرف الكثير عن السينما الخليجية او السينما المغربية والجزائرية والتونسية.

 

- الطائي: ما دمنا في صدد الحديث عن السينما والفن، عرف عنكم اثناء فترة دراستكم في مصر اقامتكم لعديد من الصلات مع بعض الفنانين وانكم كنتم من المستمرين على حضور حفلات الراحلة ام كلثوم هل لكم ان تحدثونا عن بعض ذكرياتكم في هذا الاطار؟

ـ الطالب: الحقيقة كانت البدايات شدة اعجابي بأم كلثوم نتيجة لمواصلتي الدائمة وسماعي الدائم لاغانيها وكان استاذي الدكتور عبد القادر القط هو المسؤول عن صوت العرب آنذاك عن البرامج الثقافية واخبرت ان بامكانه ان يعطيني او ان يساعدني في شراء بطاقة مفتوحة لحضور الموسم برمته. اذكر انني ذهبت اليه وكانت البطاقة بـ 5جنيهات فقط لاحضر الموسم كاملاً فذهبت وطلبت منه ان يساعدني في الحصول على تذكرة مفتوحة وكان جوابه هل انت معجب بام كلثوم؟ فقلت له نعم. قال لي بالحرف الواحد: جد لك مشرفاً اخر، انا لا اريد طالباً متخلفاً يقضي الساعات في سماع ام كلثوم. لكن هذا لايغير بالنسبة لي اعجابي بأداء وصوت ام كلثوم وحصلت بطريقتي الخاصة على البطاقة المفتوحة دون ان اخبر استاذي لاني كنت حريصاً ان ابقى تلميذاً له وكان اول ما بدأت تغني لعبد الوهاب وكانت انت عمري وكنت في المقصورة الامامية المشرفة على مسرح الازبكية كانت سنة 1964 اول لقاء بين عبد الوهاب وام كلثوم وكان عبد الوهاب في المقصورة التي امامي مباشرة. وكان يقف ويرقص لام كلثوم والموسيقى تعزف وام كلثوم تبتسم وكنت انظر الى محمد القصبجي وهو العواد المشهور لام كلثوم كان متجهماً جداً واستمرت ام كلثوم تغني ساعتين وربع وخرجتُ من الحفلة وقررت الااعود مرة اخرى لسماع ام كلثوم لان في رأي عبد الوهاب حول ام كلثوم من مغنية من الطراز الاول الى شريفة فاضل وفلاح فايت من جنب السور في اغنية انت عمري والان امتلك كل تسجيلات عبد الوهاب وام كلثوم لكن من عام 1964 الى بقية اغانيها الاخرى غير موجودة في مكتبتي لانها فقدت الكثير من خصائصها الاساسية قد اكون متجنباً او محافظاً في ذوقي الموسيقي لا ادري انما هذا مجرد ذوق ولكنني ما زلت معجب بأغاني ليلى مراد وهي مغنيتي المفضلة واذكر في عام 1963 اول وصولي الى القاهرة ذهبت الى قصرها في الازبكية وكانت متزوجة انذاك من المخرج فطين عبد الوهاب وكان املي ان ارى ليلى مراد واسمعها تغني وفعلاً اخذت العود وغنت لي من اغانيها المحببة هي يا مسافر وناسي هواك ريداك والنبي ريداك اصابتني بخيبة امل كبيرة دون اجهزة صوت حقيقية وعندما رأيت شكلها قد تحول تحولاً فظيعاً ومزرياً تماماً ولم اعد لرؤيتها بعد ذلك ابداً الا انني احتفظ بجميع اغانيها وما زلت معجباً بها كما انا معجب بصوت اسمهان ايضاً واحتفظ باغاني اسمهان.

 

- الطائي: هل حضرتم حفلات لفريد الاطرش وعبد الحليم؟

ـ الطالب: حضرت العديد من حفلات فريد الاطرش الا انني لم اكن معجباً بفريد الاطرش وهناك مواقف صعبة وقفتها في حفلات فريد الاطرش مذكورة في مذكراتي التي اكتبها وعبد الحليم حضرت جميع حفلاته لمدة اربع سنوات كان يقيمها شهرياً بالمشاركة مع نجاة الصغيرة اما علاقتي الاساسية فكانت من خلال معهد السيناريو وكنت فيه طالباً آنذاك لدراسة السيناريو وكان عميد المعهد صلاح ابو سيف وكان يشترط فيه ان يكون حاصلاً على بكالوريوس وان يكون اديباً وهذا ما ساعدني على الدخول ومن زملائي بشير الديك السينارست المعروف وكانت تقام حفلات كل ليلة جمعة ويأتي جميع الممثلين والممثلات والمخرجين وتعرفت بهم عن كثب وبالذات على عبد الحليم حافظ كان يمتاز بتواضع جم وبأخلاق عالية جداً على الرغم من مرضه ومن شكله غير المقبول ولكنه استطاع ان ينجح في السينما نجاحاً كبيراً وبعض الممثلات اللاتي يظهرن في السينما على غير ما هن عليه مثل سعاد حسني فهي ليست جميلة اطلاقاً ولكنها في السينما جميلة ، هند رستم قصيرة جداً وهذا لا يظهر في السينما على كل اقمت علاقات حميمة جداً مع الفنانين المصريين.

 

- الطائي: هل كان هناك مراسلات بينكم؟

ـ الطالب: في الحقيقة بعد ان عدت من مصر لم احاول اطلاقاً ان اقيم علاقة مع الفنانين لان السفارة ابلغتني بان الوزارة سمعت بانني قد قدمت لمعهد السيناريو وهذا مخالف لشروط الزمالة وكان هذا بوشاية من موصلي كان يدرس هناك، ولهذا اضطررت لترك معهد السيناريو في الوقت الذي كنت من المتفوقين فيه حتى ان صلاح ابو سيف ابدى اسفه من تركي للمعهد وعندما التقيت به في المغرب 1987 تذكرني رأساً وقال لي ايهما افضل، انت الان استاذ جامعي لكنك لا تستطيع الحصول على عشر ما يحصله كاتب السيناريو في مصر. لا ادري هل يمكن ان اكون كاتب سيناريو ناجح؟ انما انا اسف لتركي معهد السيناريو.

 

- الطائي: يقال ايضاً انك دخلت معهد الدراما او معهد التدريب الصوتي؟

ـ الطالب: درست الالقاء على يد الاستاذ عبد الوارث عسر وهو من ابرز اساتذة الالقاء ويعدونه نجم للالقاء في مصر وبعد وفاته لم يستطع احد ان يحل محله، وعندما نسمع القاء فاتن حمامه ومحمود ياسين ونور الشريف هؤلاء الثلاث يعدون من الملقين المتميزين في الفن العربي جميعهم تتلمذوا على يد عبد الوارث.

 

- الطائي: بعد هذه المحطات المتنوعة في حياتكم وعطاءكم الثر والكبير هل هناك ما تودون التحدث عنه في جانب مهم من حياتكم؟

ـ الطالب: هناك جوانب متعددة في حياتي ذات اهمية، ففي حياتي اهتمامات بانورامية كبيرة والحديث فيها قد يكون كثيراً. ولكن كتبي وما اكتبه من مذكرات قد يغني الدارسين في المستقبل.

 

- الطائي: هل هناك نية بنشر هذه المذكرات؟

ـ الطالب: بلا شك انوي إصدار هذه المذكرات.